محاضرة حول “التحديات النفسية” في مؤتمر لجنة الكهنة والرعاة
في مؤتمر لجنة الكهنة والرعاة بمجلس كنائس مصر، قدم اليوم الدكتور ماهر الضبع، أستاذ علم النفس، محاضرة حول التحديات النفسية التي تواجه الرعاة، مسلطًا الضوء على الضغوط الهائلة التي يتعرض لها القادة الروحيون أثناء أداء خدمتهم. أشار الضبع إلى أن الرعاية ليست مجرد عمل وظيفي، بل هي دعوة مليئة بالتحديات والمهام المعقدة، ما يفرض على الراعي أعباءً نفسية قد تؤثر على صحته النفسية والجسدية.
في بداية المحاضرة، أوضح الدكتور ماهر أن أحد أكبر التحديات التي يواجهها الراعي هو عدم وضوح التوصيف الوظيفي لدوره. على عكس الموظف العادي الذي يتبع تعليمات واضحة من مديره، يجد الراعي نفسه أمام توقعات متعددة من شعبه. فكل فرد من أبناء الكنيسة يشكل صورة شخصية لدور الراعي بناءً على احتياجاته النفسية الخاصة، ما يضع الراعي في مأزق محاولته تلبية توقعات متباينة وغير متجانسة.
هذا التفاوت في التوقعات يؤدي في كثير من الأحيان إلى شعور الراعي بالإحباط، خاصة عندما يشعر بأنه لا يحقق النجاح المطلوب. وأشار الدكتور ماهر الضبع إلى أن هذا النوع من الضغوط يدفع بعض الرعاة إلى بذل جهد يفوق طاقتهم، ما قد يؤدي إلى استنزافهم نفسيًا وجسديًا. ومن خلال هذه المحاولة الدائمة لإرضاء الجميع، يفقد الراعي أحيانًا القدرة على تحديد أولوياته، ويجد نفسه متورطًا في دوامة من الإرهاق دون شعور حقيقي بالإنجاز.
وتطرق الضبع في محاضرته إلى تأثير العوامل النفسية على حياة الراعي الشخصية، مشيرًا إلى أن الرعاة غالبًا ما يُهملون صحتهم النفسية والجسدية، حيث لا يعطون لأنفسهم وقتًا كافيًا للراحة أو للتأمل الشخصي. وأضاف أنه في مجتمع الكنيسة، تتداخل العلاقات الاجتماعية أحيانًا مع دور الراعي، فتظهر تجمعات أو جماعات تتنافس فيما بينها، وقد تعمل ضد بعضها البعض. كل هذا يزيد من تعقيد مهمة الراعي ويضعه تحت ضغط مستمر.
كما تناول المحاضر موضوع التواصل وأهميته في حياة الراعي، مشيرًا إلى أن العلاقات الإنسانية القوية مع الأصدقاء والزملاء ضرورية للحفاظ على توازن نفسي سليم. وأكد أن الراعي، مثله مثل أي شخص آخر، يحتاج إلى أصدقاء مقربين يثق بهم ويستطيع التحدث إليهم بصدق عن مشاعره وتحدياته. هذه الصداقات توفر له متنفسًا نفسيًا هامًا، وتساعده على تجاوز الأوقات الصعبة.
وفي ما يخص حياة الراعي الأسرية، أشار الدكتور الضبع إلى أن ضغوط العمل الرعوي قد تؤثر بشكل سلبي على حياة الراعي الشخصية. فالضغوط التي يواجهها داخل الكنيسة قد تنتقل إلى منزله، وتؤدي إلى مشاكل في التواصل مع أسرته. وبيّن أن الشعور بالذنب نتيجة عدم استقرار الحياة الأسرية هو أحد العوامل التي تزيد من تعقيد الوضع النفسي للراعي. فالزوجة والأبناء يتأثرون بشكل مباشر بهذه الضغوط، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في العلاقة الزوجية.
وأكد الدكتور ماهر في ختام محاضرته على ضرورة أن يأخذ الرعاة إجازات منتظمة، وألا يشعروا بالذنب إذا خصصوا وقتًا لأنفسهم ولعائلاتهم. فالراحة النفسية والجسدية هي عامل أساسي للحفاظ على قدرة الراعي على مواصلة خدمته بطريقة فعالة ومستدامة. وأضاف أن الرعاة بحاجة إلى تحديد أوقات للراحة والتواصل مع أسرهم بانتظام، حتى وإن كان ذلك يتعارض مع توقعات الشعب، لأن استقرار الراعي النفسي والأسري هو ركيزة أساسية لنجاح خدمته.
تأتي محاضرة الدكتور ماهر الضبع كنداء للرعاة من أجل الاعتناء بصحتهم النفسية والجسدية، ولتشجيعهم على إيجاد توازن صحي بين مسؤولياتهم الروحية واحتياجاتهم الشخصية. فالخدمة الروحية ليست فقط واجبًا، بل هي أيضًا دعوة تتطلب من الراعي أن يكون في حالة نفسية متوازنة كي يستطيع أن يواصل مسيرته بكل نجاح ومحبة.