يوم ۱۸ مارس ٢٠٢۳ كرّمت لجنة المرأة في مجلس كنائس مصر سيّداتٍ وأمّهاتٍ مبدعاتٍ ومكافحاتٍ من مختلف الكنائس. عنوان اللقاء “نبع العطاء” كان خيرَ دليلٍ على رسالة كلّ واحدةٍ منهنّ.
كلّ سيّدة كُرّمَت تحدّثت بكيانها ورقّة ابتسامتها وإنجازاتها، وإليكم باقةٌ من الشهادات:
من بين المكرّمات، السيّدة فدوى البستاني، حفيدة الشيخ يوسف البستاني، مؤسِّس دار النشر والتوزيع العريق منذ عام ۱۹٠٠. بأمانتها، وصمودها، تابعت فدوى هذا المشوار وحرصت على الأمانة التي أودعت إليها.
بعد أن أعربت عن امتنانها وتقديرها الكبير لهذا التكريم قالت: “قصّتي قصّة كفاح، فمشواري لم يكن سهلاً على الإطلاق. أنا أمٌّ وزوجةٌ وسيّدةُ أعمال، حاولت أن أوفّق ما بين أدواري هذه، وكنت أوّل سيّدةٍ تعمل في مجال النشر في العالم العربيّ. وكما سبق وقلت إنّ الطريق لم يكن ممّهدًا منذ البدايات، والتحدّيات لا زالت عديدة حتّى يومنا هذا، منها الإقتصاديّة، ومنها عزوف الناس عن القراءة، فمهنتي تعتمد على غذاء العقول وتحتاج إلى صبرٍ شديدٍ وإلى من يحبُّها ويعشقها. ولا بدّ لي هنا أن أشكر زوجي الذي لطالما آمن بدوري وعملي وساندني في مسيرتي المهنيّة.
كما لا بدّ أن أقول لكل سيّدة، كوني فخورة بأنّك امرأة، ولتكن ثقتك بنفسك كبيرة، لأن الله خلقك بقدراتٍ مميّزة فلا تدعي أيّ شيءٍ يقلّل من عزمك أو يكسر طموحك، لا الزمان ولا الإنسان. ثقي بنعمة الربّ، فهو الذي أرادك وجعلك امرأة”.
أمّا السيّدة وداد عبد المسيح حنّا فمن خلال خدماتها المتعدّدة في الكنيسة، والمسؤوليّات الكثيرة التي أخذتها على عاتقها، إجتهدت في الكرازة، وانطلقت في رسالتها من أوّل الدلتا حتى آخر بقعة في الصعيد. وتضيف قائلة: “رغبتي الوحيدة هي أن أعطيَ يسوع للناس، وكم أتأثّر كلّما استطعنا أن نساعدَ عائلاتٍ تعيش في حالة بؤسٍ واحتياج. أودّ أن أشكر الربّ أوّلاً، ومن ثمّ عائلتي الصغيرة، زوجي وأولادي الذين كانوا ولا زالوا دعمًا ثابتًا لي”.
ليلى عطالله هي السند الوحيد لعائلتها، فزوجُها مريض، وعليها أن تواجه هذا العبء الطويل الأمد، كما احتياجات أطفالها الثلاثة للمأكل والملبس والتعليم. لم تتوانى قطّ في تضحياتها وبذل ذاتها، عملت في البيت وخارجه دون تذمّرٍ وكلل، حتّى حصل أولادها على التعليم الجامعيّ فأنهوا دراساتهم وأسّسوا بدورهم عائلاتهم. وقالت: “الربّ كان إلى جانبي، هو قوّتي وثباتي! أمّا عن رسالتي لكلّ أمٍّ فهي أن تهتمَّ بأولادها وتحتضنَهم وتعتنيَ بهم حتّى آخر رمقٍ من حياتها، فهي تمتلك بامتيازٍ القدرة على ذلك”.
ماريو شابٌّ طموح، إبن صباح جبران، وهو كفيفٌ منذ صغره، لكنّ هذا لم يمنع أمّه من المثابرة في تعليمه حتّى دخل الجامعة. إنّ ماريو اليوم يهيّىء نفسه للحصول على شهادة الماجستير في التربية الخاصّة. من أين حصلت صباح على هذه القوّة؟ تقول: “هو الربّ الذي ساعدني في كلّ المراحل حتّى أتابع المشوار، وكم أنا فخورةٌ بماريو الذي يسعى ويطمح أن يكون أستاذًا جامعيًّا. فرحتي كبيرة، وامتناني يعود إلى الله الذي هو مصدر قوّتي وشجاعتي”.
الأخت إليزابيت عزمي راهبةٌ من راهبات الفرنسيسكان، جعلتني أبتسم حين سألتها عن سبب تكريمها إذ قالت بعفويّة: “لم أصنع شيئًا”. ولكن إزاء إصراري أردفت قائلة: “إنّه حقل الرسالة، وخدمة التمريض. تنقّلتُ بين الصعيد، والإسكندريّة والقاهرة وأعمل اليوم في المستشفى الإيطاليّ. في الصعيد مثلاً، عملنا في مجالات التنمية والأمومة ودعم المرأة والتعليم والرسالة الرعويّة، وإعداد المخطوبين للزواج، ومختلف الخدمات الإجتماعيّة. الأرض كانت خصبة لقوّة الإيمان وبساطة القلب، وهذا ما ساعدنا في تحقيق الرسالة، فهدف المؤسِّسة أن نصل إلى أفقر الفقراء. هذه الرسالة بتعبها ومجهودها قويّة، وقد حملت لنا سلامًا داخليًّا وفرحًا عظيمًا. إنّه الله الذي يقوم بالمعجزات!”.
وبتأثّرٍ بالغٍ تخبرني السيّدة ميرفت موريس عوض عن رحلتها الشاقّة كأمٍّ وابنةٍ وأخت، تقول: “مرضت والدتي، فمكثت معها سنةً كاملة، وفي هذه المرحلة بالذات أصيبت ابنتي بداء السرطان. بعد انتقال أمّي إلى السماء، رحتُ أعتني بابنتي عن كثب، فلم أكن أريد أن تعرف أمّي بالأمر لئلاّ يشتدَّ عذابُها. ستّة أشهرٍ في المستشفى، قضيناها جنبًا إلى جنب، حتّى انتقلت بدورها للسماء وهي في ريعان شبابها بعمر ال٢٥ سنة. بعد بضعة أشهرٍ جاء دور أخي الذي رفض الذهاب إلى المستشفى حتّى لا يمتنعَ عن التدخين. إضطررتُ للقيام بخدمة المستشفى في المنزل، كنت الممرّضة والرفيقة والأخت التي تصحبه للعلاج الكيميائيّ، إلى أن توفيّ بعد سنة. في كلّ مرّة أعاود التفكير بكلّ ما حدث لي أتساءل كيف استطعت أن أقوم بكلّ هذا؟ إنّه يسوع الذي كان يسندني ويشدّد من عزيمتي ويعزّيني. نعم، كنت منهارةً من الداخل لكنّي بقيتُ واقفة، صامدةً في محنتي، حتّى أعطيَ القوّة لمن حولي. وها نحن اليوم بدورنا، وبخاصّةٍ زوجي، نحاول أن نعضد الأطفال المرضى بالسرطان ونقوّي أمّهاتهم ونسند عائلاتهم.
ما يميّزُ المرأة، ويجعلها بطلة، هي نعمة الأمومة التي يضعها فيها الربّ منذ نعومة أظافرها، فالأمومة تجعل السيّدة تتغاضى عن كلّ ما يثقلُ كاهلها لتربّيَ وتنمّيَ وتثقّف”.
بقلم ريما السيقلي