المطران سامي فوزي يركز على “الاستقامة” في محاضرته بمؤتمر الكهنة والرعاة

في اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر لجنة الكهنة والرعاة لمجلس كنائس مصر، ألقى نيافة المطران سامي فوزي، مطران الكنيسة الأسقفية، محاضرة حول موضوع “الاستقامة”. تمحورت المحاضرة حول أهمية العيش وفق مبادئ الاستقامة في الحياة الروحية والعملية، مركّزاً على نقاء القلب وتطبيق التعاليم المسيحية بروح صادقة.

استهل نيافة المطران سامي حديثه بالإشارة إلى كتاب “رسائل خربرط” للكاتب الشهير سي. إس. لويس، مسلطاً الضوء على مفهوم الإغواء الشيطاني الذي يسعى لتفكيك استقامة الإنسان عن طريق مواقف تبدو تافهة لكنها تبتعد به تدريجياً عن الله. أوضح أن الشيطان يستخدم أساليب خفية مثل القلق والخوف، وهو ما ورد في أحد مقاطع الكتاب حيث يحث الشيطان “خربرط” تلميذه على إغواء المؤمن من خلال انشغاله بالمستقبل وتجاهله الحاضر. نيافة المطران سامي ربط هذا المعنى بواقع الحياة اليومي، مؤكدًا أن قوى الشر تحاول باستمرار تشتيت المؤمن عن هدفه الروحي.

أحد النقاط المحورية التي تطرق إليها نيافته كان كيف يُبعد الشيطان الإنسان عن الله من خلال الانغماس في التفاهات اليومية، مثل الضغوط الاجتماعية والانشغال بالتفاصيل التي لا نهاية لها. وتابع قائلاً إن الشيطان لا يحتاج إلى أن يدفع الإنسان لارتكاب خطايا جسيمة، بل يكفي أن يجعله يغرق في روتين الحياة اليومي البعيد عن الله. وفي هذا السياق، حذر المطران من التهاون في الالتزام بالصلاة وقراءة الكتاب المقدس، مشيراً إلى أن الروحانيات الباهتة والروتين الممل قد تؤدي إلى فتور إيمان الشخص دون أن يدرك ذلك.

ثم انتقل نيافة المطران سامي إلى توضيح ما تعنيه الاستقامة من منظور الكتاب المقدس، مؤكداً أن الله يهتم بنقاء القلب أكثر من الأفعال الخارجية. وضرب مثلاً بشخصيات كتابية مثل داود الملك، الذي رغم خطاياه الجسيمة، نال بركة الله بسبب توبته الصادقة ونقاء قلبه. وأوضح أن الاستقامة لا تعني الكمال، بل هي السعي الدائم لعمل الصواب بدافع محبة الله.

واستعرض مطران الكنيسة الأسقفية فوائد حياة الاستقامة، مشيراً إلى أن أبرز هذه الفوائد هو الشعور بالأمان الداخلي. فالإنسان المستقيم لا يحاول التظاهر أو خداع الآخرين، بل يعيش بصدق وراحة، مما يجعله شخصًا يحب الآخرون التواجد معه. وتابع قائلاً إن هذا النوع من الأمان ليس مريحًا فقط، بل أيَضًا يعزز القوة الداخلية للفرد ويمنحه الثقة في كل ما يفعله.

ثم تناول نيافته جانب الميراث الروحي، موضحاً أن أعظم إرث يمكن أن يتركه الإنسان للأجيال القادمة هو حياة مليئة بالاستقامة. هذا الميراث من القيم والمبادئ يظل أثره ممتدًا عبر الزمن، على عكس الثروات المادية التي تنتهي وتُنسى.

واختتم المطران سامي فوزي محاضرته بالإشارة إلى المكافأة السماوية التي تنتظر الشخص المستقيم. وسرد قصة أيوب الذي بالرغم من فقدانه لكل شيء، ظل متمسكًا باستقامته أمام الله، ليكون مثالًا حيًا على القوة الروحية التي تأتي من حياة الاستقامة. كما شدد على أن الشخص المستقيم لا يقسم حياته إلى مجالات منفصلة، بل يعيش حياته بكاملها أمام الله دون ازدواجية أو تناقض.

في النهاية، أكد نيافة المطران أن الاستقامة تعني الالتزام بالوعود حتى في الظروف الصعبة، مشددًا على أن المؤمن المستقيم هو شخص يمكن الاعتماد عليه، وأن الله ينظر إلى القلوب والدوافع النقية أكثر من الأفعال الخارجية.

كانت المحاضرة بمثابة دعوة مفتوحة للمشاركين في المؤتمر للسير في طريق الاستقامة، الذي رغم صعوبته وتحدياته، يبقى هو الطريق الذي يجلب السلام الداخلي والمكافآت السماوية.

محاضرة حول “التحديات النفسية” في مؤتمر لجنة الكهنة والرعاة

في مؤتمر لجنة الكهنة والرعاة بمجلس كنائس مصر، قدم اليوم الدكتور ماهر الضبع، أستاذ علم النفس، محاضرة حول التحديات النفسية التي تواجه الرعاة، مسلطًا الضوء على الضغوط الهائلة التي يتعرض لها القادة الروحيون أثناء أداء خدمتهم. أشار الضبع إلى أن الرعاية ليست مجرد عمل وظيفي، بل هي دعوة مليئة بالتحديات والمهام المعقدة، ما يفرض على الراعي أعباءً نفسية قد تؤثر على صحته النفسية والجسدية.

في بداية المحاضرة، أوضح الدكتور ماهر أن أحد أكبر التحديات التي يواجهها الراعي هو عدم وضوح التوصيف الوظيفي لدوره. على عكس الموظف العادي الذي يتبع تعليمات واضحة من مديره، يجد الراعي نفسه أمام توقعات متعددة من شعبه. فكل فرد من أبناء الكنيسة يشكل صورة شخصية لدور الراعي بناءً على احتياجاته النفسية الخاصة، ما يضع الراعي في مأزق محاولته تلبية توقعات متباينة وغير متجانسة.

هذا التفاوت في التوقعات يؤدي في كثير من الأحيان إلى شعور الراعي بالإحباط، خاصة عندما يشعر بأنه لا يحقق النجاح المطلوب. وأشار الدكتور ماهر الضبع إلى أن هذا النوع من الضغوط يدفع بعض الرعاة إلى بذل جهد يفوق طاقتهم، ما قد يؤدي إلى استنزافهم نفسيًا وجسديًا. ومن خلال هذه المحاولة الدائمة لإرضاء الجميع، يفقد الراعي أحيانًا القدرة على تحديد أولوياته، ويجد نفسه متورطًا في دوامة من الإرهاق دون شعور حقيقي بالإنجاز.

وتطرق الضبع في محاضرته إلى تأثير العوامل النفسية على حياة الراعي الشخصية، مشيرًا إلى أن الرعاة غالبًا ما يُهملون صحتهم النفسية والجسدية، حيث لا يعطون لأنفسهم وقتًا كافيًا للراحة أو للتأمل الشخصي. وأضاف أنه في مجتمع الكنيسة، تتداخل العلاقات الاجتماعية أحيانًا مع دور الراعي، فتظهر تجمعات أو جماعات تتنافس فيما بينها، وقد تعمل ضد بعضها البعض. كل هذا يزيد من تعقيد مهمة الراعي ويضعه تحت ضغط مستمر.

كما تناول المحاضر موضوع التواصل وأهميته في حياة الراعي، مشيرًا إلى أن العلاقات الإنسانية القوية مع الأصدقاء والزملاء ضرورية للحفاظ على توازن نفسي سليم. وأكد أن الراعي، مثله مثل أي شخص آخر، يحتاج إلى أصدقاء مقربين يثق بهم ويستطيع التحدث إليهم بصدق عن مشاعره وتحدياته. هذه الصداقات توفر له متنفسًا نفسيًا هامًا، وتساعده على تجاوز الأوقات الصعبة.

وفي ما يخص حياة الراعي الأسرية، أشار الدكتور الضبع إلى أن ضغوط العمل الرعوي قد تؤثر بشكل سلبي على حياة الراعي الشخصية. فالضغوط التي يواجهها داخل الكنيسة قد تنتقل إلى منزله، وتؤدي إلى مشاكل في التواصل مع أسرته. وبيّن أن الشعور بالذنب نتيجة عدم استقرار الحياة الأسرية هو أحد العوامل التي تزيد من تعقيد الوضع النفسي للراعي. فالزوجة والأبناء يتأثرون بشكل مباشر بهذه الضغوط، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في العلاقة الزوجية.

وأكد الدكتور ماهر في ختام محاضرته على ضرورة أن يأخذ الرعاة إجازات منتظمة، وألا يشعروا بالذنب إذا خصصوا وقتًا لأنفسهم ولعائلاتهم. فالراحة النفسية والجسدية هي عامل أساسي للحفاظ على قدرة الراعي على مواصلة خدمته بطريقة فعالة ومستدامة. وأضاف أن الرعاة بحاجة إلى تحديد أوقات للراحة والتواصل مع أسرهم بانتظام، حتى وإن كان ذلك يتعارض مع توقعات الشعب، لأن استقرار الراعي النفسي والأسري هو ركيزة أساسية لنجاح خدمته.

تأتي محاضرة الدكتور ماهر الضبع كنداء للرعاة من أجل الاعتناء بصحتهم النفسية والجسدية، ولتشجيعهم على إيجاد توازن صحي بين مسؤولياتهم الروحية واحتياجاتهم الشخصية. فالخدمة الروحية ليست فقط واجبًا، بل هي أيضًا دعوة تتطلب من الراعي أن يكون في حالة نفسية متوازنة كي يستطيع أن يواصل مسيرته بكل نجاح ومحبة.

الراعي وحياة التلمذة في مؤتمر لجنة الكهنة والرعاة: دعوة للخدمة الحقيقية

 في إطار اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر لجنة الكهنة والرعاة المنعقد بمركز لوجوس بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، قدم الدكتور القس عزت شاكر محاضرة حول مفهوم “الراعي وحياة التلمذة”، حيث شدد على أهمية التلمذة كسبيل للعيش في ظل تعليم المسيح وخدمته.

افتتح الدكتور عزت شاكر حديثه بتسليط الضوء على التحدي الأكبر الذي يواجه الرعاة، وهو كيفية تطبيق تعاليم المسيح بشكل يومي في حياتهم وخدمتهم. وأكد أن الله لن يكرمنا بناءً على ولائنا لعقائد طوائفنا المختلفة، بل على أمانتنا لله ولخدمتنا له.

الرسالة الحقيقية للخدمة: تقديم المسيح

أشار القس عزت إلى أن البعض يركز في رسالتهم على الدفاع عن الكنيسة، لكن الرسالة الأسمى هي تقديم الرب يسوع للعالم. ودعا الرعاة إلى أن يكون انتماؤهم الأساسي للملكوت السماوي، وأكد أن هناك “نقطة نور” في كل كنيسة يجب أن يستفيد منها الجميع. كما ذكر أن الرعاة، رغم مسؤولياتهم التعليمية، لا يزالون بحاجة إلى أن يتعلموا باستمرار.

مفهوم الدعوة والتلمذة

تطرق القس عزت شاكر إلى معنى الدعوة في حياة الراعي، موضحًا أن الدعوة ليست لخدمة محددة فقط، بل هي دعوة للمشاركة في مجد الله الأبدي. واستشهد بآية من رسالة بطرس الأولى 5:10، مؤكدًا أن الله الذي دعانا لمجده يستحق أن نعطيه حياتنا كاملة، وأن التلمذة هي امتياز يجب أن نعيشه مدى الحياة.

وفي هذا السياق، دعا القس عزت إلى التأمل في الشاهد من إنجيل لوقا 14: 25-35، مستشهدًا بأقوال أحد الآباء: “من يحمل صليبه يحمل روح الاستشهاد”. كما ذكر قصة الكاتب شارل استاد الذي كرس حياته للمسيح بعد أن تأثر بمقالة لأحد الملحدين، حيث أدرك أن الإيمان الحقيقي يتطلب أن يكون الدين هو الشغل الشاغل لحياة المؤمن.

التلمذة الحقيقية: حمل فكر المسيح والسلوك بمثله

وأكد القس عزت أن التلمذة تبدأ بحمل فكر المسيح، حيث أشار إلى رسالة كولوسي 3:16: “لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى”، موضحًا أن التلميذ الحقيقي هو من يثبت في كلام الرب ويسلك كما سلك المسيح. كما شدد على أهمية أن يتغير التلميذ يوميًا من خلال تعلمه من سيده، وأن هذا التغيير يجب أن يكون مستمرًا من مجد إلى مجد، بما يعكس امتلاء الروح القدس في الخدمة والحياة اليومية.

الجهاد اليومي في النعمة واستغلال الوقت

وأشار الدكتور عزت إلى أن النعمة تحتاج إلى جهاد يومي، وأن الفهم الخاطئ للإيمان لابد أن يتغير. كما تناول أهمية تقدير الوقت، مشيرًا إلى أن 80% من الوقت يضيع في أمور يمكن الاستغناء عنها. واستشهد بمثال نيلسون مانديلا الذي كرس حياته لنضال شعبه ولم يرضَ بمقايضة حريته بالقضية التي آمن بها.

اختتم القس عزت محاضرته بالصلاة، طالبًا من الله أن يمنح الجميع القدرة على التغيير والنمو في الإيمان والطاعة، مشددًا على أن التلميذ الحقيقي يتعلم كل يوم ويعكس مجد الرب في حياته وخدمته.

الأنبا فيلوباتير: الحاجة إلى الامتلاء الداخلي لخدمة فعّالة في حياة الكهنة

خلال اليوم الثاني من مؤتمر لجنة الكهنة والرعاة المنعقد بمركز لوجوس في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، ألقى نيافة الأنبا فيلوباتير محاضرة تناول فيها أهمية حياة الخلوة والامتلاء الداخلي للكهنة، مع التشديد على أن العمل الروحي ينبع من الداخل وليس من المظاهر الخارجية التي يراها الناس.

افتتح نيافته حديثه بالتأكيد على أن الصلوات، يجب أن تنبع من القلب وأن لا تكون مجرد ممارسات خارجية، مشيرًا إلى أقوال القديسين بأن كل جهد روحي لا يكون مدعومًا بعمل داخلي يتوافق مع إرادة الله يمضي هباءً. وأوضح نيافته أن هناك خطرًا يهدد الحياة الروحية وهو الانشغال بالأنشطة الخارجية، حيث يمكن للممارسات التعبدية أن تصبح مجرد إجراءات ظاهرية ما لم تكن مرتبطة بعلاقة داخلية حقيقية مع الله.

وأشار إلى أن ما يميز حياة التلمذة المسيحية هو الامتلاء الحقيقي من الله، موضحًا ذلك بمثال عن معجزة إشباع الجموع حيث فاضت البركة بعد تحقيق الملء. كما أكد أن الحياة الروحية الناجحة لا تتحقق إلا من خلال الخلوة مع الله، حيث تكون الخلوة الشخصية اليومية ضرورية لكل كاهن أو خادم ليختبر هذا الامتلاء الذي يجلب الثمار.

وفي سياق حديثه عن الخلوة، قدّم نيافة الأنبا فيلوباتير مثالاً توضيحيًا عن شخص فقد ساعته الثمينة في ورشته المليئة بالأدوات، ولم يتمكن من العثور عليها إلا بعد إيقاف جميع الماكينات والإنصات في هدوء، مشيرًا بذلك إلى أهمية الهدوء والخلوة لسماع صوت الله بوضوح. وأضاف أن المسيح نفسه كان يعطي قدوة في حياة الاختلاء، حيث كان يذهب إلى أماكن خالية ليصلّي، وكان يصطحب تلاميذه إلى مواضع خلوة للتأمل.

كما تناول نيافته مفهوم “الرجوع إلى النفس”، مستشهدًا بمثل الابن الضال الذي عاد إلى نفسه بعد أن اختلى بعيدًا عن زحمة الحياة وضياع الأموال. شدد الأنبا فيلوباتير على أهمية مراجعة النفس والتأمل الذاتي للكهنة، مشيرًا إلى أن هذه اللحظات تعتبر نقطة انطلاق للتجديد الروحي.

اختتم نيافته حديثه بتوجيه دعوة للكهنة للاستفادة من خلواتهم اليومية، مشيرًا إلى أن الامتلاء الروحي هو الذي ينعكس في حياة الخدمة والمجتمع. فالخادم الذي يمتلىء بروح الله ويختبر حضور الله الشخصي، يستطيع أن يجلب ثمارًا عظيمة في حياته وخدمته.

في هذا السياق، أكد نيافة الأنبا فيلوباتير على أن الهدف من هذه المحاضرة هو إرشاد الكهنة إلى ضرورة الاهتمام بالامتلاء الداخلي والخلوة الروحية التي تساعد على التمييز بين صوت الله وسط ضجيج العالم، مما يمكنهم من خدمة فعالة ومثمرة.

 

             إعداد: مايكل فيكتور

رئيس لجنة الإعلام بمجلس كنائس مصر